لو استعرضنا كتب التاريخ لوجدنا أن الإدمان كظاهرة لم تكن موجودة قديمًا وإنما هي ظاهرة حديثة، فعندما استخدم أطباء مصر الفرعونية ويونان أرسطو الخشخاش، لم يكن متعاطيها يدمن عليها، فالمخدرات لم تكن تجلب الإدمان عندما استعلمت بدايةً، ولا يوجد كتاب تاريخي أو كتاب طبي قديم يصف الإدمان لأنه لم يكن موجوداً، مع العلم أنه تم توثيق استخدام المخدرات الطبي منذ القدم، فإلياذة هوميروس تذكر أن ملكة طروادة هيلين استعانت بملكة مصر لتوريد الخشخاش لها لتخفف آلام المصابين من الفرسان ولم يكن هناك ذكر لموضوع الإدمان، ورسومات السومريين مليئة برسومات لأزهار الخشخاش دون التطرق للإدمان، بل حتى استخدام المخدر الآخر وهو الحشيش لم يكن ذو طبيعة إدمانية ـ فعلى سبيل المثال لا الحصرـ كان البعض يدخن الحشيش في العالم الإسلامي، وكان يتم تدخينه على يد فرقة تسمى بالحشاشين، كأحد أكثر الفرق غرابة في التراث الإسلامي، حيث تروي الحكايات أن زعيم الحركة حسن الصباح كان يغري أتباعه باستنشاق الحشيش واستعمله للسيطرة عليهم في قلعة ألموت بالقرب من سمرقند داخل أوزباكستان حالياً، أما خلفاء الدولة العباسية فكانوا يعاقبون من يدخن الحشيش بالسجن أو قطع الأسنان أو يصل في بعض الحالات إلى الإعدام، حيث كان سبب العقوبة دينية وهو أن الحشيش يذهب العقل ويؤثر عليه، وكتب التراث لم تذكر أنه قد حصل إدمان ما لأي مخدر أو عقار طبي، فمن أين أتى هذا الإدمان على المخدرات وعلى العقاقير؟ تلك النقطة السوداء في التاريخ البشري ؟.
دعونا بدايةً نعرف معنى الإدمان الذي هو غياب السيطرة على الفعل واختفاء الإرادة على أمر ما، الإدمان هو فقدان السيطرة على التعامل مع الشيء المدمن عليه، ويبدأ الأمر بعادة وتكرار الفعل حتى يتحول إلى رغبة قوية بتكرار الأمر، فلا تستطيع وقف التعاطي حتى لو أردت ذلك وبشكل لا يمكن السيطرة عليه، فالمدمنون على المخدرات يعلمون بتأثيره السيىء عليهم وأنه مؤذي لهم غاية الإيذاء، ولكنهم يستمرون على تعاطيه، بل إنهم مستعدون للسرقة لشراء المزيد منه، فإن تعاطي المخدرات طريقة لفقدان الهوية ومن يفقد هويته يفقد ذاته ويصبح وجوده لا معنى له.
بدأت الحكاية في الصين قبل ٢٠٠ سنة تقريبًا حينما لاحظ الأطباء بعضًا من سكان القرى وقد أدمنوا الخشخاش بعد أن استطاعوا ـ عبر تقنيات ابتكارية ـ إلى الوصول إلى درجة نقاوة عالية من مستخلصاته والتي يعتبر المورفين أحدها، فأصبح شائعًا وذا مفعول ضخم.
عندما أدرك الأطباء الأعراض الإدمانية الخطيرة بدأوا بإجراء الأبحاث على المخدرات، فأنشأوا المجلة العامة للإدمان عام ١٨٨٤م والتي تبحث في الإدمان وعلاجه وفهم ميكانيكياته الجسدية، ولازال البحث جارياً حتى هذه اللحظة.
المخدرات كثيرة وذات أنواع وأشكال متعددة فمنها الطبيعي كالأفيون والقات والكيميائي كالكوكائين الإمفتيامين وحبوب الهلوسة، ويستخدم البعض منها في المستشفيات لعلاج الآلآم في أغلب الأحيان، ويقع تأثيرها على الدماغ، فتنشط مناطق معينة منه مسؤولة عن المتعة، فالمدمن يفضل المخدرات على أي شيء آخر وعلى كل شيء آخر، فيقوم المخدر بتأثير محفز للدماغ يشابه المتعة التي يستقيها الكائن أثناء تناوله للطعام أو ممارسته للجنس، فتلغي هذه المخدرات الفعل الإرادي بمقاومتها فيصبح مدمناً.
وأضرارها لا حصر لها فهي سبب المزاج الحاد وكذلك الهلوسة وتدهور الذاكرة ونوبات قلبية ومشاكل في السلوك الاجتماعي ومشاكل في التعلم وأمراض كبدية واكتئاب، ويعتبر تعاطي المخدرات سبباً لانتقال الإيدز عبر الحقن الملوثة.
حاول الأطباء إيجاد حل ناجع للإدمان، فمروراً ببيوت الراحة التي أنشئت حول العالم وانتهاءاً بمراكز الأبحاث التي خرج منها بعض من العلاجات فنجح عدد وفشل الآخر، ولكن يمكن تلخيصه بأنه ينقسم إلى قسمين: علاج سلوكي وعلاج دوائي، وقد يحتاج المدمن أحدهما وقد يحتاج الأثنين معاً حسب حالته، فالعلاج السلوكي يركز على مساعدة المريض على أفضل الطرق السلوكية لمساعدته على بناء الشخصية الواعية والاستعاضة بطرق معينة لأي أعراض انسحابية لهذه المخدرات، أما الأدوية التي تعالج الإدمان فهي كثيرة وهدفها الرئيسي هي محاولة جعل المريض أن يرجع لحياته الطبيعية المنتجة في محيطه الاجتماعي، إنها محاولة لإعادته إلى حياته الطبيعية التي يستحق أن يعيشها، ومن الأدوية الشائعة هي النالوتركسون الذي يعالج حالات الإدمان من المخدرات والكحول.
الإدمان عملية تغييب للفرد عن محيطه ونستطيع أن نقول بأننا في صدد خطر ماحق يهدد كياننا المجتمعي ومعركتنا الضروس مع المخدرات طويلة، إن معركتنا يا سادة مع الإدمان " لم تنته بعد، لا، إنها لم تبدأ بعد ".